معاناة أسر المختطفين وأطفالهم قصص كتبناها بدموع القهر وحروف الأمل الذي يحدونا بأن تخرج قضيتهم إلى النور وتقف الإنسانية إلى جانب قضيتهم العادلة، ففي السجون يقبع آلاف المختطفين، مخلفين وراءهم أمهات وزوجات وأطفال يجتاحهم جحيم الشوق والحرمان ويعانون آثاراً نفسية نالت من تفاصيل حياتهم.
بعض أطفال المختطفين تعرضوا للاختطاف كرهائهن حتى يسلم الأب نفسه، وشهد بعضهم حالة اختطاف أبيه أمام عينيه بصورة وحشية، وعادة ما تكون واقعة الاختطاف مصحوبة بسلسلة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان كاقتحام المساكن والاعتداء على حرمتها والترويع والتخويف النفسي لأفراد الأسرة.
أطفال عاشوا صدمات أثرت عليهم نفسيا أثناء اختطافهم كرهائن
رصدت أمهات المختطفين “32” حالة اختطاف واحتجاز لأطفال وأحداث أعمارهم دون الثامنة عشرة، هذا فقط ما استطاعت الرابطة أن تصل إليه وتوثيقه، ناهيك عن عشرات الحالات التي لم نصل إليها ولم نتمكن من توثيقها.
الطفل المختطف (أحمد عبدالنور) الذي اختطفته جماعة الحوثي المسلحة وأودعته في سجن القلعة بالحديدة وهو في السادسة عشرة من عمره، تم تعذيبه بالصعق الكهربائي والضرب المبرح، وتم تجريعه متفل القات والشمة (وعاء يبصق فية متعاطي القات والتبغ) لإجباره على قول مالا يعلم لإثباتها عليه في محضر التحقيقات.
وتماثل قصته قصة الطفل (عبد القادر المقولي) وهو حدث في السادسة عشر من عمره، تم احتجازه وتعذيبه في البحث الجنائي حتى تأثر عموده الفقري وكان اختطافه بتهمة أن والده المنتمي للجيش انضم للمقاومة، وعلى الرغم من أن عبد القادر كان يعيش مع والدته المنفصلة عن أبيه،، إلا أنه تم اختطافه كورقة ضغط على والده ولم يفرج عنه الا بعد أكثر من عام على اختطافه عبر تبادل أسرى.
والطفل (عبد الله أحمد عمر) احتجز كرهينة ، يبلغ من العمر ست سنوات أثناء اختطافه مع أبية في بداية العام 2015م، فبعد انتهاء دوامه المدرسي وبينما كان يقف مع والده بانتظار حافلة تقلهما إلى المنزل، فوجئ بسيارة وعليها مسلحين ملثمين، يقومون باقتياده مع والده إلى داخل السيارة وانطلقوا بهما إلى الحارة التي يقطن فيها وتحت تهديد السلاح أجبروا والده على الاتصال لصديقه من أجل استدراجه واختطافه هو الآخر، فانتهز الأب المختطف فرصة انشغال المسلحين بالضحية الجديدة وأمر ابنه بالهرب إلى بيت خاله واستطاع الطفل عبدالله الهرب، لكن والده ظل في فترة سجنه مهددا باختطاف ابنه.
كوابيس.. انطواء.. وبكاء.. آثار سلبية أثرت على أطفال المختطفين
تعرض كثير من أبناء المختطفين للإصابة بالصدمة النفسية، وظهرت عليهم أعراض الغضب والعدوانية في حين لجأ كثير منهم الى الانسحاب والانطواء على أنفسهم، وأعراض التبول اللاإرادي واضطرابات النوم والكوابيس الليلية وعادة قضم الأظافر وعلى الأخص الذين شهدوا اختطاف آبائهم.
أم الطفل (س. ح) تروي حالة طفلها البالغ من العمر ست سنوات حيث أصبح يتبول لاإرادي، ويستيقظ من النوم مفزوعا يروي أنه يرى أشياء تخيفه وينادي أباه، وتزداد حالته سوءً كلما مرت الأيام ووالده مازال مختطف.
وأما أم “عبدالرحمن” استقبلتنا بدموعها وقالت “منذ اختطاف زوجي قبل أربع سنوات أستيقظ من كابوس مخيف خوفا وقلقا عليه، كنت أخفي عن أولادي أن أبوهم في السجن وكنت أخبرهم أنه بصحة جيدة وسيرجع لنا قريباً وفي الوقت نفسه كنت أواجه أسئلتهم كل يوم حتى كشف لهم الأمر أن أبوهم في سجن الأمن السياسي، وأما اسئلة طفلتي الصغيرة الذي اخذو والدها كان عمرها ثلاث سنوات ” أين بابا… ليش كلهم أبوهم موجود وأنا لا”، واردفت قائلة أن أولادها يتذكرون دائما الموقف المرعب الذي وقع على أبيهم لحظة اختطافه وأسمعهم يبكون كل يوم على فراشهم .
وتقول “أم محمد” إحدى زوجات “الـ 30″مختطف المحكوم عليهم بالإعدام من قبل جماعة الحوثي أن أولادها أصبح حلمهم الأول والحلم الكبير أن يحتضنوا والدهم ويسلموا عليه. ولهذا السبب يعانون الاكتئاب والبكاء المتواصلين، وسيطر عليهم الخوف المستمر من أن ينفذ في حق أبيهم حكم الإعدام وطفلتي الصغيرة لم تتعرف على والدها من قبل، فتلجا للجلوس مع إخوتها ليحكوا لها قصص ثم تبكي طويلاً.
كما يعاني الأطفال من الجلوس لوحدهم لفترات طويلة، والشرود والسرحان وعدم التركيز، وحب العزلة والانطواء، بسبب مضايقات أقرانهم، والامتناع من الأكل والشرب لساعات، وإهمال في الواجبات المدرسية، وحرمانهم من احتضان آبائهم أثناء الزيارة في السجن ما يتسبب في حالة من البكاء الشديد، ما يجعل بقية أفراد العائلة يعيشون ضغوطاً واضطرابات نفسية شديدة.
تعلق الأطفال بأقاربهم ومرور المناسبات عليهم حزينة
تزداد وتيرة الآثار النفسية على الأطفال في المناسبات والأعياد، حيث يتعلق الأطفال ما دون الخامسة من العمر بأحد الأقارب ليغطي فراغ والده المختطف.
تقول “أم يوسف” أن طفليها يوسف (ست سنوات) ومارية (تسع سنوات) رفضا ارتداء ملابس العيد وقال لها يوسف ببراءة الأطفال: “اتصلي للعيد وقولي له ألا يأتي حتى يخرج أبي من السجن”.
أما الطفل (م .ع ) اختطف والده وهو يبلغ من العمر سنة واحدة ومرت ثلاث سنوات حتى بلغ الطفل أربع سنوات ولم يرى والده، وكلما مر رجل يتشبث فيه ويناديه بابا.
وما زالت الانتهاكات تتواصل بحق أسر المختطفين والمخفيين قسرا ما تعرضهم لكثير من الآثار النفسية التي تؤثر بشكل بالغ في الجيل الناشئ ، ولذا تدعو رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسراً المجتمع الدولي والمدني والمنظمات الحقوقية والإنسانية وكذا المعنية بالطفولة، سرعة الإفراج عنهم لمنع مزيدا من التبعات على المختطفين وأسرهم.