اليمن بين جراح الأمس وجسور الغد جلسة حوارية حول تاريخ الصراعات في اليمن ومسارات المصالحة في اليمن


عُقدت جلسة حوارية ثرية حول تاريخ الصراعات في اليمن وإمكانات العدالة الانتقالية ومسارات المصالحة الوطنية، شارك فيها ممثلون عن أحزاب سياسية وباحثون وناشطون حقوقيين ومحامون وفاعلون مجتمعيون وسياسيون، وتناولت بتفصيل محطات الصراع منذ ستينيات القرن الماضي حتى اليوم، وأثر التدخلات الخارجية، ودور القوانين والاتفاقيات، وحدود ما أُنجز وما تعثّر ، وإمكانية تطبيق عدالة انتقالية في اليمن.

الجلسة الحوارية الثانية والتي سبقتها جلسة حوارية مع اكاديميين تأتي ضمن أنشطة منتدى سفراء العالة الانتقالية وفي اطار مشروع سبارك الذي تنفذه رابطة أمهات المختطفين ومنظمة سام للحقوق والحريات وبالشراكة مع معهد ي تي .

بدأ الميسر الجلسة التي استمرت ل اربع ساعات وتخللتها استراحة إفطار ، بالتعريف بأهداف الجلسة وقوانين الحوار والنقاشات فيها ، مشددا على أهمية الانفتاح في الحوار واحترام وجهات النظر اثناء النقاش .
ثم يسّر مجموعات عمل تناولت تاريخ الصراعات في اليمن منذ الستينات حتى اليوم ..أسبابها واثارها ، استعرض بعدها قائد كل فريق خلاصة العمل على الورق وفتح باب النقاشات من المشاركين .

ذاكرة الصراع: من الثورة إلى الانقسام
بدأ النقاش باسترجاع رحلة اليمن مع الصراع، رحلةٌ تتقاطع فيها السياسة بالدم، من ثورة سبتمبر 1962 وما أعقبها من حصار السبعين، مرورًا بأحداث الجنوب في يناير 1986، إلى حرب 1994 التي عمّقت الجرح بين الشمال والجنوب. ثم جاءت حروب صعدة (2004–2010)، تفتح بابًا جديدًا للطائفية، قبل أن تهبّ ثورة فبراير 2011 بمطالبها في العدالة والكرامة، وتُخمد لاحقًا تحت رماد انقلاب 2014 وحربٍ شاملة منذ 2015.

“كل محطة من تاريخنا كانت تُغلق على جرحٍ مفتوح، لا نُشفى منه بل نُعيد إنتاجه في شكلٍ جديد.” هكذا علّق أحد المتحدثين بصوتٍ مبحوح عن استمرارية سلسلة الصراعات.

التدخلات الخارجية: دعمٌ أم تأجيج؟
لم يخلُ النقاش من الإشارة إلى الأدوار الخارجية. تحدّث بعضهم عن مصر والسعودية وإيران وقطر وليبيا وبريطانيا، وكيف تركت تدخلاتها بصمات متناقضة: دعمٌ في مرحلة، وإشعالٌ في أخرى.
وفي هذا الجانب قالت إحدى المشاركات :”ربما لم يكن التدخل في ذاته هو المشكلة، بل في غياب البوصلة الوطنية التي تجعل منه شراكة لا وصاية.”

العدالة أم المصالحة أولاً؟
وحين جاء الحديث عن العدالة الانتقالية، انقسمت القاعة بين صوتين، أحدهم قال بثقة: “لا مصالحة بلا عدالة، وإلا سنعود للدائرة نفسها.”
وردّ آخر بنبرة هادئة: “العدالة وحدها لا تكفي. نحتاج للمصالحة كي نعيش معًا قبل أن نحاسب بعضنا.”

لكن سرعان ما تجمّعت الآراء عند نقطة التقاء: العدالة والمصالحة وجهان لسلامٍ واحد. لا يمكن لأحدهما أن يعيش دون الآخر.

قانون الحصانة: بوابة الحوار أم عائق العدالة؟
استعاد النقاش قانون الحصانة الصادر عام 2012، الذي منح حمايةً لرموز النظام السابق، وتوزعت اراء المشاركين : من رآه خطوة اضطرارية لتمهيد الحوار الوطني، ومن اعتبره “عفوًا بلا عدالة” أنهى حقوق الضحايا.
من جانبه صرّح ناشط حقوقي أن القانون أغلق باب المساءلة، ففتح باب الشكّ في جدية أي عملية مصالحة لاحقة.

تجارب العالم.. ودروس اليمن
استعرض المتحدثون تجارب من العالم: رواندا وكمبوديا والمغرب وتونس والبوسنة، أكدوا فيها انها تجارب متباينة في نجاحها، لكنها تشترك في رسالة واحدة: لا سلام بلا حقيقة، ولا مصالحة بلا اعتراف.
غير أن الجميع أجمع على أن اليمن يحتاج نموذجًا خاصًا به، يستلهم من تلك التجارب لكنه لا يستنسخها، يحترم تركيبته القبلية والاجتماعية ويواجه واقعه كما هو.

خريطة الطريق المقترحة
خرجت الجلسة بجملةٍ من الرؤى والتوصيات سرها المشاركين بشفافية كان أبرزها مساران متوازيان للسلام والعدالة الانتقالية يعملان بتكامل لا بتعارض، و إنشاء هيئة وطنية مستقلة تُعنى بجبر الضرر وكشف الحقيقة وتمثيل الضحايا، بالإضافة الى إطلاق برامج تعويض ورد اعتبار، وإصلاح القضاء والأمن لتكريس الثقة مع ضرورة وضع جدول زمني واقعي يركّز أولاً على الملفات الإنسانية العاجلة كالمفقودين والنازحين والألغام.
وأخيرًا، ضمانات تنفيذ ومتابعة دولية تراقب التقدّم بعيدًا عن التسييس.

ختاما: ذاكرة لا تموت وأمل لا ينطفئ
انتهت الجلسة، لكن أحد الحاضرين همس وهو يغادر: “ربما لا نملك ترف النسيان، لكننا نملك شجاعة التذكّر كي لا نكرّر الأخطاء.”
في تلك اللحظة، بدا أن الطريق إلى العدالة الانتقالية في اليمن ليس نزهة قصيرة، بل رحلة وعي جماعي نحو سلامٍ حقيقي، تُبنى جسوره على الاعتراف، والمساءلة، والإرادة.