انعقدت في محافظة مأرب أمس السبت جلسة حوارية بعنوان “تحليل التجارب التاريخية للمصالحة في النزاع اليمني: الآثار والدروس المستفادة” جمعت أصواتًا مختلفة من الأكاديميين والسياسيين والحقوقيين والناشطين، لتناقش واحدًا من أكثر الملفات حساسية في تاريخ اليمن الحديث: مسار المصالحة والعدالة الانتقالية.
الفعالية نُظّمت ضمن أنشطة منتدى سفراء العدالة الانتقالية، في إطار مشروع SPARK الذي تنفذه رابطة أمهات المختطفين بالشراكة مع منظمة سام للحقوق والحريات ومعهد DT.
حوار مفتوح على جراح الماضي
على مدى أربع ساعات من النقاش والتفاعل، استعرض المشاركون محطات الصراع اليمني منذ ستينيات القرن الماضي، بدءًا من ثورة سبتمبر 1962 مرورًا بـأحداث يناير 1986 في الجنوب، وحرب 1994، وحروب صعدة (2004–2010)، وثورة فبراير 2011، وصولًا إلى انقلاب 2014 وما تبعه من حرب شاملة مستمرة منذ 2015.
في إحدى المداخلات التي لاقت تفاعلًا لافتًا، قال أحد المشاركين الحقوقيين:
“كل محطة في تاريخنا تركت ندبة في جسد الوطن، لكن الوعي بتلك الندوب هو الخطوة الأولى نحو الشفاء”.
الجلسة انطلقت بمقدمة عن أهداف اللقاء ومحاوره التي أُرسلت مسبقًا للمشاركين، ثم انقسم الحضور إلى مجموعات عمل بحثت جذور الصراعات وأسبابها، لتخرج لاحقًا بتوصيات تعبّر عن رؤى متنوعة من مختلف التيارات الفكرية والمناطقية.
نحو عدالة انتقالية يمنية الطابع
دار النقاش حول كيفية تكييف العدالة الانتقالية مع خصوصية المجتمع اليمني، بحيث لا تكون مجرد محاكمة للماضي، بل فرصة لإعادة بناء الثقة المجتمعية.
وشدّد المشاركون على أن العدالة لا ينبغي أن تكون انتقائية أو أداة للانتقام، بل أن تُبنى على التصالح والمساءلة والمشاركة المجتمعية.
كما ناقشت المجموعات أثر التدخلات الإقليمية والدولية على تعقيد المشهد اليمني، واستعرضت تجارب ناجحة من دول مثل جنوب أفريقيا ورواندا وتونس، مع التركيز على إمكانية تكييف تلك النماذج وفقًا للبيئة المحلية اليمنية.
وفي سياق الحديث عن المسارات السياسية، تطرقت النقاشات إلى أبرز محطات المصالحة الوطنية في العقود الأخيرة، من بينها: المبادرة الخليجية والميثاق الانتقالي (2011)، مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013–2014)، مبادرات الوساطة القبلية والمصالحات المحلية، واتفاقيتي ستوكهولم والرياض.
توصيات الجلسة ومخرجاتها
خرج المشاركون بعد نقاشات معمقة بعدة توصيات، أبرزها: تعزيز الحوار المجتمعي وتبادل الخبرات حول العدالة الانتقالية، وإجراء دراسات معمقة للواقع اليمني وتحديد السبل العملية لتطبيق العدالة الانتقالية، والاستفادة من دروس التاريخ لتجنب تكرار الصراعات وتعزيز ثقافة المساءلة.
أضف الى ذلك اقتراح إنشاء محكمة مستقلة وربط العدالة بجهود التنمية المستدامة، ورفض مبدأ “عدالة المنتصر” والدعوة إلى وقف النزاعات العدائية، وبناء نموذج يمني فريد للعدالة الانتقالية يحترم التنوع والهوية الوطنية، وتمكين المجتمع المدني وربط العدالة بالتسويات السياسية لتحقيق سلام دائم، وتكييف التجارب الدولية لتلائم الواقع اليمني ومتطلباته.
عدالة تعانق السلام
في ختام الجلسة، أجمع الحاضرون على أن العدالة الانتقالية ليست مسارًا قانونيًا فحسب، بل جسر نحو سلام دائم يرمم ما تهدم ويعيد الثقة بين أبناء الوطن.
ودعا المشاركون إلى توحيد الجهود الوطنية لبناء نموذج يمني للعدالة يستلهم من الماضي دروسه، ومن المستقبل أمله.
وتأتي هذه الجلسة ضمن سلسلة فعاليات منتدى سفراء العدالة الانتقالية، في إطار مشروع SPARK الذي يسعى إلى تعزيز ثقافة العدالة والسلام، وإشراك مختلف المكونات السياسية والمجتمعية في صياغة مستقبل أكثر إنصافًا وإنسانية لليمن.


