تحت شعار “بناء جسور التفاهم من أجل التعافي”، ندوة حقوقية تسلط الضوء على نجاح مبادرة للعدالة التصالحية في مديرية الشمايتين


في خطوة ملهمة نحو تضميد جراح المجتمع، نظمت رابطة أمهات المختطفين بالشراكة مع منظمة سام للحقوق والحريات وبتمويل من معهد DT، ندوة هامة بعنوان “العدالة التصالحية: بناء جسور التفاهم من أجل التعافي”. تأتي هذه الندوة، التي عقدت في إطار مشروع “سبارك” لدعم السلام في اليمن، لتسليط الضوء على النتائج المثمرة لمبادرة رائدة في مجال العدالة التصالحية تم تطبيقها في مديرية الشمايتين بمحافظة تعز.

قضية عالقة لخمس سنوات تجد طريقها إلى الحل

تركزت الندوة حول قصة نجاح المبادرة في حل قضية مقتل المواطن عوض أحمد سيف، أحد أفراد فئة المهمشين، والتي ظلت عالقة لأكثر من خمس سنوات. خلال اشتباك مسلح في عام 2020، قُتل سيف، وبقي جثمانه في ثلاجة الموتى طوال هذه الفترة، مما عمّق من جراح أسرته والمجتمع المحلي وزاد من التوترات.

أمام تعقيدات المسار القضائي الرسمي والتهميش الذي تعاني منه هذه الفئة، برزت العدالة التصالحية كحل إنساني وشامل. العدالة التصالحية هي نهج قضائي يركز على جبر ضرر الضحايا وإصلاح العلاقات المجتمعية عبر الحوار والاعتراف بالخطأ، بدلاً من التركيز على العقاب فقط.

جهود متكاملة نحو المصالحة

أوضح الأستاذ عصام الصبري، مدير المشروع، أن المبادرة اعتمدت على ثلاثة مسارات متكاملة: قانوني، مجتمعي، ونفسي. وشمل ذلك لقاءات تنسيقية مع السلطات المحلية والأمنية ومشايخ المنطقة، وجلسات حوار مباشرة بين أسرة الضحية والجهات المعنية. أثمرت هذه الجهود عن وثيقة صلح تاريخية تضمنت اعتراف الجهات الأمنية بالخطأ، وتقديم تعويض مالي لأسرة الضحية، وتكريم الضحية بتشييع رسمي وشعبي مهيب في 29 يوليو 2025.

أصداء إيجابية وأمل متجدد

عبر المتحدثون في الندوة عن أهمية هذا النموذج ودوره في تعزيز السلم المجتمعي.

  • أمة السلام الحاج، رئيسة رابطة أمهات المختطفين، أكدت أن “العدالة التصالحية تأتي لترمم الشرخ الذي حصل في المجتمع بأسلوب إنساني شامل يعيد للضحايا اعتبارهم”.
  • الدكتور عادل دشيلة ، الباحث المتخصص في العدالة الانتقالية، أشار إلى أن الأعراف القبلية يمكن أن تكون جزءاً مكملاً للعدالة التصالحية، مستشهداً بتاريخها الطويل في حل النزاعات المحلية. وحذر في الوقت ذاته من أن تكون بديلاً عن العدالة الحقيقية التي تعالج جذور الصراعات وتمنع الإفلات من العقاب.
  • رفيع عبد الله، صديق الضحية، عبر عن أثر المبادرة العميق قائلاً: “هذه المبادرة أعادت الأمل للمجتمع في العدالة… الهدف لم يكن مادياً بقدر ما كان اعترافاً بقيمتنا كبشر”.

الدروس المستفادة والتطلع للمستقبل

أثبتت مبادرة الشمايتين أن العدالة يمكن أن تنبع من المجتمع نفسه، وأن الحوار الصادق والاستماع للضحايا هما الخطوة الأولى نحو المصالحة الحقيقية.
وقد أظهرت دراسة أجريت في إطار مشروع “سبارك” أن حوالي 64.3% من أفراد المجتمع اليمني يمنحون الأولوية للمصالحة وإنهاء الحرب.

تخلل الندوة عرض لفيديو قصة نجاح المبادرة وسط ثناء الحاضرون والمباركة بنجاح المبادرة ، واختتمت الندوة بالتأكيد على أن هذه التجربة الرائدة تقدم نموذجاً ملهماً يمكن البناء عليه لمعالجة العديد من القضايا العالقة، وترسيخ ثقافة التسامح والمصالحة في مجتمع أنهكته سنوات الصراع، مع الأمل في أن يعيش جميع أبناء اليمن كمواطنين متساوين لا فرق بينهم.