مر عام على الحكم بالإعدام على “٣٠” ناشطاً سياسياً أصدرته المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء التابعة لجماعة الحوثي في جلسة واحدة غير معلنة يوم الثلاثاء السادس من ذي القعدة 1440هـ الموافق 9/7/2019م، افتقد لأدنى معايير العدالة والإنصاف وذلك في القضية المعروفة بقضية الـ 36 نصر السلامي وآخرين، وكل من شملهم قرار الإعدام هم من الأكاديميين والتربويين وطلاب جامعات ولم يسبق لأي منهم أن حُبس يوماً واحداً لأي سبب كان، وليس لأي منهم أي سوابق جنائية، وكانت الخلفية الحقيقة لاختطافهم هي آراؤهم السياسية وانتقادهم للسلطة القائمة في صنعاء إلى جانب الانتماء السياسي للأغلب منهم.
ثلاثون مختطف يدخلون عامهم السادس في سجون جماعة الحوثي
اختطفهم مسلحو جماعة الحوثي في نهاية العام 2015م والعام 2016م من بيوتهم ومقار أعمالهم والأماكن العامة وداهموا منازلهم وروعوا أسرهم واحتجزوا بعض من أقاربهم كرهائن، وتعرضوا للإخفاء القسري الذي تفاوتت مدته ما بين ستة أشهر إلى شهرين وفي فترات متقطعة من مرحلة الاعتقال التعسفي الذي بلغ لدى البعض منهم ما يقارب سنتين.
كما تعرضوا أيضاً للتعذيب الجسدي والمعنوي وأنواع شتى من المعاملة القاسية واللاإنسانية وعدم الرعاية الصحية ورغم زوال آثار التعذيب لدى البعض منهم بسبب طول فترة الاختطاف والحرص على عدم إحالتهم للنيابة إلا بعد زوال تلك الآثار وأثناء سنوات التحقيق والتعذيب؛ إلا أن فريق الدفاع عن المعتقلين المتمثل بالمحامين عبدالمجيد مصلح صبرة ومحمد أحمد أبكر ومحمد مقبل الهناهي وحسين محمد الحمامي قد شاهدوا آثار التعذيب على جسد البعض منهم عندما سمح لهم بحضور إجراءات التحقيق مع بعضهم، ومن هؤلاء المعتقلين الدكتور نصر محمد السلامي والأستاذ الدكتور يوسف صالح البواب والتربوي الأستاذ خالد داوود النهاري وقد تم إثبات آثار التعذيب تلك في محضر التحقيق.
جماعة الحوثي تشرعن القتل العمد وتتجاور كل القوانين والمواثيق الدولية
إن من شروط المحاكمة المنصفة والعادلة كما جاء في المواثيق الدولية ونصوص الدستور اليمني وأحكام القوانين الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان تضمنت في طياتها مبادئ وأسس تتعلق باحترام الفرد ومبادئ العدالة والتي مهدت لبدء نظام تحقيق المحاكمة المنصفة والعادلة، ومن هذه الشروط مبدأ الحق في افتراض البراءة من هذه القوانين المادة (11) فقرة (1) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة (36) من مجموعة المبادئ وفي المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي الدستور اليمني من المادة (46) والمادة (4) من قانون الإجراءات الجزائية.
أما مبدأ الحق في المساواة أمام القانون “الناس سواء أمام القضاء ومعنى ذلك اتاحة الفرصة لكل شخص بعيداً عن أي لون من ألوان التمييز وعلى قدر المساواة مع غيره في اللجوء إلى القضاء، وأن تتاح ضمانات المحاكمة العادلة على قدم المساواة للجميع” نص على ذلك المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة (5) من قانون الإجراءات الجزائية والمادة (26) من قانون المرافعات المدني.
وبإسقاط تلك المعايير على قضايا المختطفين لدى جماعة الحوثي في صنعاء يجد المطلع أن تلك المعايير تم انتهاكها انتهاكاً صارخاً ابتداءً بإجراءات القبض وما تلاها من إخفاء قسري وحتى تقديمهم للمحاكمة وإصدار الأحكام الهزلية التي جل ما ينطبق عليها أنها قرارات سياسية بامتياز وهو ما يعني انعدام معايير مبادئ المحاكمة المنصفة والعادلة في قضايا المختطفين والمختطفين لدى جماعة الحوثي أو القضاء التابع لها الذي لا يتمتع بالاستقلالية ولا بالحياد.
أما عن مبدأ الحق في المثول أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة نشأة وفقاً للقانون “أن إجراءات التقاضي في أي قضية جنائية يجب أن توكل إلى محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة أنشئت بحكم القانون” كما جاء في نص المادة (14) من العهد الدلي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة (147) من الدستور اليمني والمادة (1) من قانون السلطة القضائية.
كما نصت قوانين تثبت مبدأ الحق في عدم التعرض للتعذيب المادي والنفسي يحظر فيها القانون الدولي في جميع الظروف (لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية وللاإنسانية أو المهينة) أكد ذلك نص المادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونصوص مماثلة في المعاهدات الدولية بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب والمادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقد أكد المشرع اليمني هذا المبدأ في الفقرة (ب) من المادة (47) من الدستور والمادة (6) من قانون الإجراءات الجزائية.
وعن مبدأ عدم جواز الاستدلال بالاعتراف المنتزع تحت وطأة التعذيب المادي والنفسي (إذا ثبت أن الادلاء ببيان ما كان نتيجة التعذيب أو غيره من ظروف المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة فلا يجوز اتخاذ ذلك البيان ضد الشخص المعني، أو ضد أي شخص آخر في آية دعوى) نص على ذلك المادة (15) من اتفاقية مناهضة التعذيب والمادة (12) من نفس الاتفاقية، والمادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهذا المبدأ أكده القانون اليمني في نص المادة (322) من قانون الإجراءات الجزائية.
كما أكدت القوانين مبدأ الحق في سرعة إجراء المحاكمة العادلة (كل مقبوض عليه أو محتجز في تهمه جنائية يجب أن يحال سريعاً إلى أحد الموظفين المخولين قانوناً بمباشرة وظائف قضائية ويكون من حقه خلال مدة معقولة الاحالة إلى المحكمة أو الافراج عنه)، وهو ما أكدته المادة (14) والمادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وأثبته المشرع اليمني في الفقرة (ج) من المادة (47) من الدستور.
تعمدت جماعة الحوثي المسلحة عمد علانية المحاكمة متجاهلة مبدأ علانية المحاكمة الذي ينص على “أن تكون المحاكمة شفوية وعلانية مع ذكر معلومات عن المحاكمة ووقتها ومكانها وحضور الجمهور والأجهزة الإعلامية إلا ما يشكل خطراً أو إضراراً بالمصالح الشخصية أو مصالح الدولة” جاء ذلك في المادة (14) الفقرة (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المادة (263) الفقرة (1) من قانون الإجراءات الجزائية.
وعن مبدأ الاتصال بالأسرة والحق في توكيل محام وتوفير الرعاية الطبية أثناء الاحتجاز والمحاكمة نصت المواد على “أن لكل شخص الحق في توكيل محام ينوب عنه يصون مصالحه لما يتمكن منه من حيث الاطلاع على خبايا القانون وإمكانياته وبما يحقق ويخدم مصالح موكله” أكد هذا المبدأ الدستور اليمني في المادة (48) والمادة (9) من قانون الإجراءات الجزائية.
وعن الحق في إتاحة ما يكفي من الوقت والتسهيلات للدفاع نصت المادة (7) من المبادئ الأساسية المتعلقة بدور المحامين “أنه من حق كل متهم أن يتاح له من الوقت والتسهيلات ما كيفي لإعداد دفاعه بنفسه والاتصال بمحامي يختاره بنفسه ويحق للمحتجزين الاستعانة بمحام فوراً وبأية حال خلال مهلة لا تزيد عن (18) ساعة من وقت القبض عليهم أو احتجازهم، كما أن من حق كل محتجز أن يتشاور مع محاميه دون أن يكون ذلك على مسمع من أحد، ويمتد هذا الحق طول إجراءات المحاكمة، إضافة إلى كل ذلك توجد معايير أخرى كحق المتهم في ابلاغ أسرته وذويه ومحاميه، والحق في إبلاغه بسبب إلقاء القبض عليه، والسرعة في اتخاذ الإجراءات لتحقيق العدالة وتقديم كافة التسهيلات كاستدعاء الشهود وتطبيق القانون الأصلح له وعدم رجعيته والشفافية في اعلان الأحكام وتطبيقها وغيرها من الضمانات التي من شأنها أن تكفل حقوق المتهم”.
كما أنه لا يمكن وصف أي محاكمة بأنها منصفة وعادلة إلا إذا توفر فيها شرطان على الأقل ،الشرط الأول “أن تسترشد إجراءات المحاكمة كلها من بدايتها إلى نهايتها بمواثيق ومعايير المحاكمة العادلة التي وضعها المجتمع الدولي المشار إليها آنفاً وأن تكون وفقاً للإجراءات المرسومة في نصوص الدستور اليمني ونصوص قانون الإجراءات الجزائية والقوانين المحلية ذات العلاقة”، والشرط الثاني ” أن تقوم سلطة قضائية مستقلة ومحايدة بتنفيذ وتطبيق هذه المواثيق أنشئت بموجب القانون”.
ولكن جماعة الحوثي المسلحة تعمدت عدم الالتزام بتلك المعايير وهو ما يشكل قلق كبير للمجتمع الدولي والمحلي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان الدولية والمحلية لأنها تمثل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في حد ذاتها ولأنها تساهم في وقوع شتى ضروب الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل لقد عمدت تلك الأجهزة الأمنية إلى إلحاق أكبر الضرر بهؤلاء المعتقلين وأقاربهم عبر جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة من خلال نشرها لتسجيلات فيديو زعمت نسبتها لهؤلاء المعتقلين تم أخذها تحت سياط التعذيب وعمدت من خلالها إلى تشويه سمعتهم وهو إجراء مخالف لجميع مبادئ العدالة والإنصاف في كل القوانين والمواثيق الدولية.
لقد حاول فريق الدفاع عن هؤلاء المعتقلين جاهداً بكل ما لديه مواجهة تلك الانتهاكات بدفوع قانونية مستندا إلى نصوص الدستور اليمني والقوانين النافذة وإلى المواثيق والمعاهدات الدولية الموقعة عليها اليمن، لكن لم يتم الالتفات لكل تلك الدفوع من قبل ولم يتم الاستجابة لطلبات الدفاع كما أن تلك الانتهاكات استمرت بحق هؤلاء المعتقلين أثناء فترة التحقيق والمحاكمة وهو ما اضطرهم في إحدى جلسات المحاكمة لمناشدة كل ضمير حي في الشعب اليمني وكل المنظمات الحقوقية لإنقاذهم مما يتعرضون له وقد تعرض نتيجة ذلك الدكتور يوسف البواب للإخفاء القسري والضرب حيث كان هو المتحدث باسمهم، بل لقد تعرض فريق الدفاع للمضايقات والتحريض عبر وسائل الإعلام.
وأكد محامو الدفاع على ضرورة سرعة الإفراج عن الثلاثين مختطفاً وإيقاف قرار الإعدام الصادر بحقهم ووجوب تكاتف جميع المنظمات الحقوقية المحلية والدولية للضغط للإفراج عنهم.
#اوقفوا_حكم_الإعدام
#حرية_ولدي_أولا