في خطوة تعكس عمق الحاجة إلى بلسمة الجراح النفسية التي خلفتها سنوات الصراع، نظمت رابطة امهات المختطفين بالشراكة مع منظمة سام للحقوق ولحريات وبتمويل من معهد دي تي ضمن انشطة “مبادرة الصراري” جلسة دعم نفسي جماعي لأبناء المنطقة، كجزء من أنشطتها المستمرة لتعزيز الصمود المجتمعي.
الجلسة، التي تميزت بالصراحة والشفافية، تحولت إلى مساحة آمنة لتبادل قصص الفقد، النزوح، والانتهاكات، مؤكدة على أن الدعم النفسي لا يقل أهمية عن الإغاثة المادية في مناطق النزاع.
■ الألم المشترك… بداية الحديث
الجلسة افتُتحت بتأكيد الأخصائية النفسية أن الهدف ليس “تغيير العالم بين ليلة وضحاها”، بل تقديم الإصغاء والدعم والقدرة على التنفيس عن جراح مكبوتة حملتها النساء طويلاً خلف أبواب المنازل.
نساء تحدثن عن شهداء فقدنهم، وأراضٍ نُهبت، وتهجير قسري، وخوفٍ مزمن عاشه الأطفال خلال سنوات الحرب.
إحدى المشاركات روت لحظة تعرّضها لإطلاق نار أثناء خروجها لجلب الطعام لأطفالها. وأخرى تحدّثت عن معاناتها من القلق عند ذهاب أبنائها إلى المدرسة بسبب الرصاص الذي كان يُطلق على محيط المنطقة خلال الحرب. هذه الشهادات المؤلمة أظهرت حجم الصدمة النفسية التي لم تهدأ رغم توقف المواجهات.
■ نساء على أكتافهن قامت الحياة
ركزت الجلسة على الدور المحوري للمرأة في مرحلة ما بعد الحرب؛ فهنّ من يحملن أعباء إدارة المنزل، وتأمين المعيشة، ورعاية الأطفال، بينما يواصل كثير من الرجال مواجهة تبعات الحرب أو الغياب بسببها.
أخصائية الدعم أشارت إلى أن المرأة أصبحت اليوم “المجتمع كله”، فهي قادرة على زرع السلام أو إشعال الحقد داخل أسرتها. لذلك جاء التأكيد على نشر ثقافة التسامح وتفادي توريث الصراعات للصغار.
■ هموم الأرض… والبحث عن العدالة
لم تغب قضايا الأراضي والنزاعات العائلية عن النقاش. كثير من النساء قدّمن شكاوى عن اعتداءات على ممتلكاتهن، وصدور أحكام قضائية لم تُنفَّذ، ما ضاعف إحساسهن بالظلم.
تعهد الفريق المصاحب للجلسة بالتنسيق مع الجهات المحلية، ومتابعة ملفات عالقة في المحاكم، وإشراك القيادات المجتمعية في حل النزاعات أولاً بأول لمنع تجدد الخصومات.
■ نحو مجتمع يتسامح… لا يتناسَى
شدد مقدمو الجلسة على أن الصلح لا يعني نسيان الحق، بل يُمهد لعودة الروابط الاجتماعية كما كانت قبل الحرب؛ علاقات القُربى والتكافل التي لطالما ميّزت الصراري.
كما جرى التأكيد على أهمية مشاريع خدمية مشتركة — أبرزها المياه والصحة والطرق — كونها تعزز الشعور بالانتماء والمصير الواحد.
■ صوت النساء… خطوة في طريق التعافي
الجلسة مثّلت فرصة نادرة لسماع أصوات نساء عانين كثيراً في صمت. وقد خرجت المشاركات بإحساس أكبر بالطمأنينة، ووعي بأن ما مررن به ليس نهاية الحكاية، وأن الدعم النفسي حق إنساني لا يقل قيمة عن المساعدات المعيشية.
ختاماً
أثبت هذا اللقاء أن تعافي الصراري لا يبدأ من إعادة بناء المنازل، بل من تضميد القلوب. وأن السلام الحقيقي تولده امرأة تطمئن طفلها، وتوقظ في مجتمعها روح التسامح والأمل.












