رحلة أم إلى المحكمة

على لسان إحدى الأمهات ومن داخل المحكمة، رابطة أمهات المختطفين تنفرد بنشر وقائع جلساتالمحاكمة الهزلية اللاقانونية لـ 36 مختطفا من أبنائنا.

الجزء الخامس

ظلت أصوات المحامين والقاضي
تزعزع سكينة الأمهات وهن يرمقن في حب وقلق، جواهرهن الحرة خلف ذلك القفص البغيض، ورغم ضجيجهم إلا أن تنهيداتها المكتومة كانت تصل أذني! وهي تجلس بجواري، وكأنما أراها حمامةً كسر الصياد جناحها.. فشددت يدي على يدها، محاولة لملمة قواها وتهدئة روعها. وكنت أنا من تحتاج ما يقوي ويهديء الروع، وأنا أسمع التهم المزيفة تتلى على مسامع الأحباب وقلبي يكاد ينفطر.

قرأ الإدعاء التهم الموجهة لأحد المختطفين فطلب هذا الشاب ذو الصوت الجهوري المفعم قوة وتحديا وحروفه تضج بالشجاعة، طلب إعادتها عليه لأنه لم يسمعها جيداً! فبدا لنا بوضوح أنه يحاول استفاقة عقولهم وهم سابحون في غي الكذب ونكران الحقيقة! ترى هل سيبتلع العقلاء كل هذا الزيف؟
لا تعجبوا.. فلا أحد من أبنائنا المختطفين سبق وأن تم حبسه في أي قضية وليس على أحدٍ منهم أي سابقة جنائية. نعم… أبناؤنا فخر لنا ولبلادنا.

وهاهم محامو الدفاع يعترضون لدى القاضي على تصوير المحاكمة وعرضها في إعلام جماعة الحوثي وصالح وإظهار المختطفين بمظهر المجرمين وهم في قفص الاتهام، بينما هم أبرياء حتى تثبت التهمة عليهم، ولن تثبت.

انتصف النهار وأعلن القاضي انتهاء الجلسة محدداً موعداً للجلسة القادمة فضجّت القاعة بأصوات الأمهات والزوجات يطالبن بالسماح لهن بزيارة أبنائهن وأزواجهن المختطفين، وغادرنا جميعنا قاعة المحكمة وقلوبنا معلقة بذلك القفص الذي جلس خلف قضبانه فلذات أكبادنا، على أمل كبير أن يوقف اليمنيون وكل أحرار العالم هذه المحاكمة الظالمة، هزيلة الأركان، هزلية البناء، ويعيدوا إلينا أبناءنا. فقد آن لقلوبنا أن تهدأ وتشعر بالسكينة والأمان..

استقل ثلاثتنا سيارة الأجرة ذاتها وظللنا نناقش الجلسة ومعطياتها ونتائجها المحتملة، وكأننا مستشارات في القانون. ونحن لا نعلم إلا قانونا واحدا نجيده حد العطاء بلا حدود، قانون الحب.
فهل ستستمر هذه المحاكمة الظالمة؟ وما الذي يريدونه من ورائها؟ وماذا سيفعلون بإبنائنا؟
سألت رفيقتي: وهي تسرد لي كيف طلب إليها صغيرها أن تدخلَ أصابع يديها عبر الشِباك الحديدية، ليفاجئها بتقبيل رؤوس بنان يديّها يبللها بدمعه الذي لم يجد مكاناً للاختباء، فألصقت وجنتيها بالقفص وهي تبحث في لمسة يديه عما يطفيء شوق أم مكلومة ولن يطفئه إلا اللقاء بلا قيود ولا زنازين في بيتها العامر بالشوق والحنين.

اختنقت الكلمات في حلقي فالأم سيدة الإنسانية هي التي تعرف ولدَها مزدهرا بالحياة حسن الخلق والعشرة، ثم قلت لهن: استودعناهم الله الذي لا تضيع ودائعه سيحفظهم، ويعيدهم إلينا كما أعاد موسى عليه السلام إلى حضن والدته الذي أصبح فارغاً لفراقه لتضمه وتشعر بالحياة ونحن نستحق الحياة وسيعطينا الله من فضله.

#أم_المختطف
#abductees_mother
#حرية_ولدي_أولا