رحلة أم إلى المحكمة

على لسان إحدى الأمهات ومن داخل المحكمة، رابطة أمهات المختطفين تنفرد بنشر وقائع جلساتالمحاكمة الهزلية اللاقانونية لـ 36 مختطفا من أبنائنا.

الجزء السادس

لم أستطع النوم.. لكن ليست هذه ليلتي الوحيدة التي يجافيني النوم. فمنذ اختطاف صغيري؛ أصبح فؤادي فارغاً ولا أعرف للحياة طعماً.صديقتي لا تختلف عني سوى أن بناتها يضعن لها حبات المنوم في شرابها؛ طمعاً في بعض ساعات تنامها! لكنها تدعيه كذباً لترتاح قلوبهن.
أبناؤنا في زهرة شبابهم حلموا بالتخرج وأعلى المراتب العلمية، لطالما كانوا متفوقين، وحلمنا ببقائهم قريبين منا. كلما ضعفت أظل ادعو الله في السحر أن ينقذ ابني من كيد الظالمين من أجلي وسعادة لقلبي.

أشرقت الشمس وانطلقت قبل موعد بدء الجلسة، لم أذق زاداً وكيف لي أن أهنأ بلقمة! ما انفكت مخاوفي تتعاظم داخلي، فمن اختطف ابني وعذّبه وهو مريض، ثم لفق عليه كل هذه التهم كيف له أن ينصفه اليوم؟! حتى أيام العيد لم أنعم برؤية ولدي؛ فقد منعوا الزيارات!
قُبلة العيد الدافئة على رأسي ممنوعة! بل حتى قبلته المشاكسة في الهواء بين القضبان محرمة!! أي قلب يرتضي كل هذا العذاب والضيم لأم مسنة؟! بل عندما حاولت صديقتي في العيد أن توصل وجبة الغداء لابنها (بعد طول مراشاة) لمشرف السجن، فرحت المسكينة فرحاً شديداً كاد يقفز له قلبها وهي تحلم بلقيمات دافئة نظيفة تصل إلى حبيبها بدلا من طعام السجن القذر. فقضت العيد تطبخ له وتصنع الأجمل، كل لقمة تنطق من لذتها: “عيد مبارك” تتفنن بكل مافي حب الأم من عطاء وتظل تزيد في كمية الطعام وهي تحدث نفسها: بالطبع سيأكل رفقاؤه معه.. وانطلقت مسرعة لتوصل الطعام وهي تعلم أنها لن تراه فالسجان لم يأذن وقلبه لم يفهم! وكأن احتضان الأم وليدها المختطف في العيد جريمة لا تغتفر!!

وعندما وصلت بعد أن اغبرت قدماها في الطرقات ووسائل المواصلات، رفضوا إدخال الطعام إليه وقاموا بالسخرية منها وظلوا يباعدوا بينها و اللقيمات الدافئة النظيفة وبين ابنها يوم عيد! وهي لا تعرف ماذا تخفي تلك الأسوار والوجوه الساخرة من شرّ يأكل في أجساد الأبرياء يوم عيد المسلمين.. وبقيت المكلومة تحاول حتى المساء وهم يتمادون في التشديد والتعجيز؛ لتعود بقهر وحزن لم يخففه عنها إلا الفرحة في عيون المحتاجين عندما أعطتهم الطعام.

توقفت بنا سيارة الأجرة أمام المحكمة فنزلت مسرعة تختلط في قلبي المخاوف والأشواق.
أسمع صيحات العساكر والمسلحين داخل حوشها في وجوه الأمهات وكلماتهم تقطر شراً! أمسك على قلبي وأصرخ بصوت مكتوم: ابني عمري وحياتي..

#أبرياء_في_محاكم_باطلة
#حرية_ولدي_أولا