رحلة أم إلى المحكمة

على لسان إحدى الأمهات ومن داخل المحكمة، رابطة أمهات المختطفين تنفرد بنشر وقائع جلساتالمحاكمة الهزلية اللاقانونية لـ 36 مختطفا من أبنائنا.

الجزء السابع

أسرعتُ بالدخول إلى المحكمة وقلبي يكاد يقفز؛ لهفة لرؤية ابني حبيبي، وبعد التفتيش في طابوره الطويل دخلتُ قاعة المحكمة وحالما وقعت عيناي على صغيري وجدته وزملاءه مقيدين بالسلاسل يبدو عليهم الإعياء حداً مخيفاً فشعرت بصاعقة من الألم شطرت فؤادي، وانهرت على كرسي القاعة في اللحظة التي جلس فيها أبناؤنا على الأرض من شدة التعب الذي لا نعرف أسبابه حتى اللحظة فلطالما أخفوا علينا آلامهم واكتفوا بابتساماتهم الشجاعة من خلف القضبان، لملمت نفسي واستجمعت قواي وناديت ابني صغيري الحبيب لكنه لم يسمعني بدا متعباً جداً! ماذا فعلوا بابني؟
أصابني الحزن فمتى سينتهى هذا العذاب مع سجان لا يرحم؟

لم تمرّ ثوانٍ حتى دخل أحد المسلحين طالباً منا مغادرة قاعة المحكمة بدعوى التفتيش مرةً أخرى، وعندما أصبحنا خارج القاعة صرخ العسكر والمسلحين في صلف: “ممنوع دخول الأمهات!!” فتساءلنا بصوت واحد: “ليش؟” فقال أحدهم: هؤلاء خلايا نائمة! قلت: ماذا تعني بخلايا نائمة؟ وبأي حق تحكم عليهم بذلك؟ قال كبيرهم: “أنت لم تربي ولدك، ليش تجي؟؟” صعقت من تلك الكلمات وقلت: أنا أحسنتُ تربية ولدي الذي يحترم الناس ويرفع من قيمة الأمهات. المذنب هو من جاء إلى بيتي وأفزعني واختطف ابني.
فتعالى صوته في وجوهنا: “سيري من هانا قبل ماادي من يسحببش!”
اختطفتم فلذة كبدي دون مسوغ قانوني وغيبتموه عني وبعدها أجريتم محاكمة افتقرت لأدنى معايير العدالة، والآن تهددوني بالسحب من باب المحكمة رغم هرمي وضعفي؟ وفقط لحرصي على رؤية ابني الذي شهد له القاصي والداني بالأخلاق الكريمة؟!!

وهنا التفتُّ إلى قريبي الذي حضر معي أوصيه أن ينتبه جيدا ويحفظ مايدور لينقله لي عسى أن ينطفئ قلقي وتهدأ هواجسي.. وظللت أرقبه يدخل وأنا واقفة تحت أشعة الشمس تقطر مدامعي في أسى؛ فلا أنا متنعمة برؤية ولدي ولا أنا مطمئنة لما سيفعل به.

وبعد ساعات.. أطلَّ من بعيد بين زحام الناس الخارجين من قاعة المحكمة فاندفعتُ أسألُه دون أن ألتقط أنفاسي: ماذا حصل؟ كيف حاله؟ ماذا قال؟ هل رأيته؟ هل ابتسم؟ هل كان متضايقاً؟ هل أشرت له برأسك وابتسمت حتى لا يقلق؟ وكان قريبي يومئ بنعم مع كل سؤال، منتظرا أن يهدأ روعي ثم بدأ بسرد ماجرى في المحاكمة..

قال: قاموا بتحضير المختطفين الأبرياء وكأنهم متهمين والجميع يستمع؛ لكن صوتا شجاعاً قوياً صدح في ثقة لم تكن غريبة عليه، إنه الدكتور يوسف البواب عضو هيئة التدريس في جامعة صنعاء كلية اللغات يقول: “نطالب بحقوقنا القانونية” وقام بسردها عن دراية ومعرفة عميقة ووضح بشاعة التعذيب الذي تلقوه منذ جلسة المحكمة السابقة حيث قام مشرفو سجن الأمن السياسي من جماعة الحوثي وصالح المسلحة بتجريعهم مياه المجاري ( الصرف الصحي ) وضربهم بوحشية والتحقيق معهم الذي لم يخل من التعذيب وتجريدهم من ملابسهم، وطالب بنقلهم من سجن الأمن السياسي إلى منشأة تخضع لقانون السجون يمكنهم أن يحظوا فيها بظروف احتجاز قانونية عادلة! كنت أستمع إليه وأنا أتخيل صغيري في كل هذا العذاب، لماذا كل هذا؟ وأين القانون إذا كانت الأخلاق قد ذهبت! وكيف أصبح الأحرار يحاولون تحسين أوضاع احتجازهم وهو لا يحق للسجان ابتداءاً حرمانهم حريتهم!!

توقعت أن القاضي قد غضب غضباً شديداً وطالب بإجراءات صارمة تجاه من يفعل ذلك باليمنيين فكيف من يقوم بذلك في حق أبرياء تحت حماية المحكمة؟ وكان قلبي يهمس: نعم نعم القاضي سوف يعاقبهم بشدة.
لكني فوجئت بماحصل! حيث انزعج القاضي كثيراً من كلام الدكتور البواب ولم تطرف عينُه لما ورد في شهادته ولم يكلف نفسه عناء التأكد من صدق روايته! بل وانسحب عقاباً له ولبقية ال٣٦ المختطفين الأبرياء، وتم إعلان تأجيل الجلسة حتى تاريخ ١٥/٩/٢٠١٧م.

وهنا انفرط في فؤادي عقد الجَلَد ورأيتُني أذرف الدموع كما لم أذرفها من قبل.. ولم أشعر إلا ويداي ترتفعان وشفتاي تؤمِّنان عقب دعاء صديقتي بجواري وهي تدعو:
اللهم أنت العدل ولا عدل غيرك اللهم فانصفنا وانصف أبناءنا وأعدهم إلينا سالمين وبالحرية غانمين. آمين.. آمين

#أبرياء_في_محاكم_باطلة
#حرية_ولدي_أولا