أصيبوا بالاكتئاب وفقدان الشغف.. الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية

تعد جريمة الإخفاء القسري من الجرائم التي نص عليها القانون الدولي الإنساني، وهي تصنف جريمة ضد الإنسانية، تمتهن خلالها كرامة وحرية الإنسان دون مسوغ قانوني، كما تتعرض عائلات المخفيين قسراً إلى كثير من المعاناة التي لا تنتهي.

خطورة الإخفاء القسري تتمثل في كونه انتهاكا مركبا، إذ لا تكاد حالات الإخفاء القسري التي قامت برصدها رابطة أمهات المختطفين تخلو من التعذيب النفسي والجسدي للمخفي، وانتهاك خصوصيته وخصوصية أسرته، كاقتحام منزله وترويع الأطفال والنساء، فضلا عن الأثر النفسي الذي تركه هذا الحدث في نفوسهم.

يتعرض المخفيون قسراً للعديد من المشكلات أثناء وبعد فترة الإخفاء، في استبيان أجرته الرابطة لعينة من الناجين، كانت النتائج كالتالي:

_ 55% منهم صاروا يميلون للعزلة والانطواء على النفس.

_ 47% أصيبوا بالاكتئاب.

_ 47% يشعرون بالخوف الدائم، وأنهم مراقبون من جهة ما.

_ 30% يتجنبون المشاركة في أي مناسبة مجتمعية.

_ 38% يخافون من الأبواب المغلقة.

_30% تولد لديهم الشعور العدواني نتيجة عدم تقدير تضحياتهم.

_ 72% شعروا بالذل والإهانة والإحباط أثناء الإخفاء.

_ 58% يعانون من ضغوط نفسية.

_ 50% يعانون من اضطرابات النوم.

_ 58% أصبحوا أكثر توتراً وعصبية.

_ 55% شعروا بالعجز والضعف.

_ 75% شعروا بالقلق الشديد على أسرهم خلال فترة الإخفاء.

_ 44% فقدوا الشعور بالمتعة والتسلية.

يقول “عبد العزيز الحطامي” وهو أحد الناجين: فترة الإخفاء كانت أشد مرحلة مرت بنا طوال فترة الاختطاف، تم الزج بنا في زنازين انفرادية، تقع في الدور السفلي من السجن، لا تحتوي على أي منفذ للتهوية، حجمها لا يتجاوز المتر في متر ونصف، تكثر فيها الحشرات، ولا أماكن للنوم، لا تغذية جيدة أو رعاية صحية، ولا يسمح بدخول دورة المياه إلا ثلاث مرات كل 24 ساعة.

تم التحقيق معنا، وألصقت لنا تهم غير حقيقة، وتعرضنا بذلك لأشد أنواع التعذيب من ضرب وتعليق وربط العينين وتكبيل اليدين لساعات طويلة، وإلى السب والشتم وغيره.

منع عنا التواصل مع أهالينا وكنا في حكم المتوفين لديهم، أهالينا نالهم نصيب من السلب والابتزاز والتخويف والسب والشتم أثناء محاولاتهم البحث عنا.

وأشار “إبراهيم الخزرجي” في حديثة بالقول: أكثر ما يمكنني قوله عن تلك الفترة هو “الحمد لله أني من الناجين”

 الإخفاء القسري حرب غير منظمة، لا تحتاج أن يبذل الجلاد فيها جهداً، فقط يُلقي بك في تلك الغياهب الموحشة، لتنطلق بعد ذلك بين حنايا أول شرارة للحرب الضارية التي سيكون طرفها أنت وذاتك.

هنا سينتهي دور الجلاد البشع، وبرغم أساليب التعذيب، إلا أنه سيبدو في عينيك ساذجاً تافهاً لا تحرك بشاعته فيك ساكناً!!
فهناك ما يشغلك عنه مما هو أعنف وأقسى منه، إنها حربك الداخلية بين قلب مضطرب وعقل هائج! حرب أفكار تتفاقم بصمت في زنزانة خانقة يسكنها هدوء قاتل وسكون وحشي، حيث ترى زملاءك يتساقطون ضحايا أوهامهم دون أن يصدر منهم صوت سوى زفرات مكلومة.

وأما “مشتاق الفقيه” فيقول: ما كنت أتصور ولا خطر ببالي يوماً أني سأسجن وتقيد حريتي، فأنا شاب لم اخترق القانون وليس بيني وبين أحد خصومة، ولا أطيق السجن ساعتين، فكيف بها شهور عشرة قاسية؟!
اعتقلت بداخل دكان ليومين ثم نقلت لمعتقل الصالح، نمت أسبوعاً بين مختلين عقلياً، لم أكن مستوعباً لما يحدث، ورغم ذلك ما كان يفت عضدي وينهك قواي هو حال أمي وأبي وزوجتي وإخوتي، عذبتني هذه الأفكار وقتها! إضافة إلى عذاب السجن النفسي والجسدي الذي لا يخفى عن الجميع.
 
يتسبب الإخفاء القسري في فقدان كثير من المخفيين وظائفهم، وتعرض محالهم التجارية للخسارة والإفلاس، وتراكم مبالغ إيجارات المنازل وأقساط المدارس والجامعات، وعدم القدرة على تحمل تكاليف العلاج والرعاية الصحية لأفراد أسرهم، إضافة إلى الصدمات النفسية لعائلات المخفيين قسراً.

تجرم القوانين المحلية والدولية والأعراف القبلية انتهاك حرية الإنسان أو اختطافه أو إخفائه قسراً أو تعرضه للتعذيب، رابطة أمهات المختطفين تدعو كافة الأطراف إلى الإفراج الفوري عن جميع المختطفين والمعتقلين والمخفيين قسراً، ومحاسبة مرتكبي الانتهاك بحقهم.