رحلة أم إلى المحكمة

على لسان إحدى الأمهات ومن داخل المحكمة، رابطة أمهات المختطفين تنفرد بنشر وقائع جلسة محاكمات 36 مختطفا من أبنائها، في المحاكمات الهزلية ضد المختطفين.

الجزء الثاني

بدأت الجلسة وبدأت معها رحلة ألم تساوي مائة عام حيث ابتدأت المحكمة بتحضير المتهمين بأسمائهم وأعمارهم..
وكانت البداية عند رجل وقور بدا عليه التماسك، رغم ذبول وجهه وغور عينيه، قام بالتعريف عن نفسه فهو دكتور في علم اللسانيات بكلية اللغات جامعة صنعاء اسمه يوسف، وقد تكلم بكل جرأة وقوة عن التعذيب الذي تعرض له ونحن نستمع إليه وقلوبنا ترجف وأعيننا تبكي الدم والدمع. قال: لقد نُزعت أظافري وأُهنتُ في كرامتي وحتى في عرضي، وضُربت حتى فتحت عمليتي ورفع ملابسه عن جسد منهك مدمّى تعلوه علامات الضرب والتقطيع بأبشع الطرق.
هنا انهارت الأمهات وسمع نحيبهن في القاعة الكئيبة، لم نستطع أن نتحمل ما يحدث لأبنائنا في سجون الحوثي وصالح الذي تجاوز أخلاق اليمنيين وإنسانية الآدميين.
يوسف البواب خاض ذات التجربة كيوسف الصديق الذي سجن ظلما وعدوانا ممن امتلك سطوة الحكم ومارس الابتزاز، حاول القاضي مقاطعته لكن حجة الدكتور البواب وقوة لغته وشجاعته جعلتنا لا نسمع غيره وحملته أرواحنا مع كل حرف.
أما المختطف رائد الرميش من أبناء وصاب العالي فقد رفض أن يعلن اسمه أو صفته صارخاً بصوت عالي: أعطوني حقي كمواطن، أعطوني حرية الكلام، أعطوني علاجي، اسمحوا لأهلى بزيارتي.. أنا مريض.
كنا نستمع إليهم واحداً تلو الآخر وأنفاسنا تتقطع قهراً من ظلم اليمني لأخيه اليمني وقسوة السجان وطغيانه وسط مقاطعة مستمرة وبغيضة من القاضي الذي حاول إسكات الجميع وظل يردد: “أنتم أتيتم تفعلوا لي خطب!!! أنتم متهمين اسكتوا!!”
كيف لقاضي الأرض أن يبارز قاضي السماء؟ أيها القاضي: كان الأولى بك أن تقوم بمحاسبة السجانين ومسؤولي السجن ومساءلة النيابة عن احتجاز غير قانوني واستجواب تحت التعذيب الوحشي، حدث لهؤلاء المواطنين اليمنيين وانتهاك لحقوقهم.. لقد كنت منحازاً ضد المختطفين وميزان العدالة انحرف.
وزاد الأمر سوءا لما عرضت المحكمة شريطا مصورا لأبنائنا وهم يتحدثون وعلامات التعب الشديد والتشتت والذهول واضحة على ملامحهم، وصور لتفجيرات مختلفة متهمين بهاأبناءنا! وهنا توقف قلبي! فابني الذي ربيته على الصلاح، وحفظ القرآن صغيرا، كان ولازال مشهودا له بحسن الأخلاق يعرفه جيراننا ومعلموه وكل من يتعامل معه وحيداً بين وحوش تجمعت تنهشه تريد أن تشوه سمعته وتحمله الجرائم وتجبره على قول ما تريد تحت سياط العذاب الشديد! فمن سيوقف ظلمهم؟ يا الله استودعتك ابني وعندك لا تضيع الودائع..
وهاهو القاضي يريد توجيه التهم بالمواجهة الجماعية! فيحرم أبناءنا من أبسط حقوقهم القانونية وهي “ألا تزر وازرة وزر أخرى” إنه فساد القضاء وطغيان الحكم قد سوّل لهم جرمهم. فقام المحامون بالاعتراض وأصروا على أن تكون المقاضاة فردية حتى يواجه كل مختطف بالتهم المنسوبة إليه وحده. لكن القاضي رفض الاستماع إليهم وظل يمنعهم الكلام فانسحب المحامون على إثر ذلك لمخالفة المحكمة تلك الإجراءات وكان موقفهم القوي والقانوني دافعاً للقاضي بالعودة إلى الإجراءات في حين التزم المختطفون الصمت حتى وجود المحامين وبقيت قلوبنا معلقة بصمتهم كما كانت بحديثهم.

فضت الجلسة الأولى وكأنما انخرط في قلوبنا عقد الصبر الذي ظلت الأمهات يصنعنه، تصدعت أفئدتنا حزناً وقلقاً ونحن نودعهم وهم في ذلك القفص الذي وددنا لو مزقنا شباكه بأظافرنا.

#أم_المختطف
#abductees_mother
#حرية_ولدي_أولا