من وحي الغياب

ما أشد وقع فراق الأحبة على نفسِ الحُر ..!
يَا لَها من مرارة ..!
لولا أن فيه أجراً للصابرين، ورفعةً للشاكرين، ما كان للعاقلين فيه سلوة ، وما كان للمخلصين في حُلكَتِهِ جُذوة ..!
قد كتبَ اللهُ الفراقَ بين كل اثنين:
بين الشَّقيقين، وبين المتجاورَين، وبين الصَّاحبَين، وبين الحبيبَين، وبين الروح والجسد..!
الفراقُ إعرابُ الحياة ، وهو نزعٌ ينتزع الروحَ بطَرَفٍ من موتٍ وطَرَفٍ من حياة ، كالغَرقِ تماماً..!
 
ولو تحاتَّتِ الروحُ النقيَّةُ من بعدِه لما كان للأريبِ عليها لوم ، لما يعلمُهُ من رقَّة نفسِ الحُرِّ ، ولكنهُ الصَّبرُ والتَّصَبُّر ..!
آآآهٍ من زمانٍ سَلَبَ ضِعفَ ما وَهَب ، وفَجَعَ بأكبَر مِمَّا مَتَّع ، وأوحَشَ فوقَ ما آنَس ، وعَنَّفَ في نَزعِ ما ألبَس ، وجعل مصائر الخلق مقيَّدةٌ تتحكم فيها وحوشُ الغابِ المقنَّعةِ بهيئةِ بشرٍ ليس للأخلاق والإنسانية والرحمة والضمير مكاناً في قواميسها ..!
 
آآآهٍ من زمانٍ لم يُذقنَا حَلاوةَ الاجتماعِ حتَّى جرَّعَنَا مَرَارَةَ الفِراق ..!
آآآهٍ من زمانٍ لم يُمتِّعنَا بأُنسِ اللِّقاءِ حتَّى تَركنَا رهنَ التَّلهُّفِ والاشتيَاق ..!
والحمدُ للهِ تَعَالى على كُلِّ حالٍ يسوءُ ويسُرُّ ، وكل حلوٍ ومُرٍّ ، فلَستُ أيأَسُ من رَوحِ اللهِ في صُنعِ لُطفٍ خَفيٍّ يجعلُ موردَهُ مناخي ، ويجعلني زهرَ قطرهِ المُهتَزِّ ، فإني ألاحظُ الدَّهرَ وصوارِفَهُ بعينِ راضٍ ، وأتأمَّلُ ورودَ حَظِّي بلا إعراضٍ ، مَأنوسَ الطريق به سُبحانه ، مأمونَ الغَوَائِل بإبصارِ العليمِ موضعَ الخطوات مِنِّي ، لأستَأنفَ بعد الفراقِ ، بعضاً من حياةٍ لا أكادُ ألمح طَرفها لولا حسن الظن بالله العليُّ الأجَلُّ ..
 
وقد سَمِعَ حكيمٌ قائلاً يقول:
الفراقُ أخو الموت ..!
فـ ردَّ عليه وقال: بل الموتُ أخو الفراق ..!
فاللهمَّ رحمةً عندَ القسوة ، واجتماعاً بعد الفراق ، وعَوداً حميداً بعد طول الغياب ، وفرجاً قريباً ومخرجاً عاجلاً لأخي الحبيب ، ولكل مظلومٍ ومكروبٍ ، يا حيُّ يا قيُّوم يا أرحم الراحمين ..
اللهم آمين يا ربَّ العالمين ..
#حرية_ولدي_أولا